فصل: فصل في تقدير الرب تعالى شقاوة العباد وسعادتهم وأرزاقهم وآجالهم قبل خلقهم وهو تقدير ثان بعد الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال التستري:

وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ} [172] قال: إن الله تعالى أخذ الأنبياء من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام، ثم أخذ من ظهر كل نبي ذريته كهيئة الذر، لهم عقول، فأخذ من الأنبياء ميثاقهم، كما قال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7] وكان الميثاق عليهم أن يبلغوا عن الله تعالى أمره ونهيه، ثم دعاهم جميعًا إلى الإقرار بربوبيته لقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [172] وأظهر قدرته حتى {قَالُواْ بلى} [172]، فجمع الله مراده من خلقه، وما هم عليه من الابتداء والانتهاء في قولهم: بلى، إذ هو على جهة الابتلاء، وقد قال الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء لِيَبْلُوَكُمْ} [هود: 7] وأشهد الأنبياء عليهم حجة كما قال: {وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ} [172] ثم أعادهم في صلب آدم عليه السلام، ثم بعث الأنبياء ليذكرهم عهده وميثاقه، وكان في علمه يوم أقروا بما أقروا به من يكذب به ومن يصدق به، فلا تقوم الساعة حتى تخرج كل نسمة قد أخذ الميثاق عليها، ثم تقوم الساعة.
فقيل: ما علامة السعادة والشقاوة؟ قال: إن من علامات الشقاوة إنكار القدرة، وإن من علامة السعادة أن تكون واسع القلب بالإيمان، وأن ترزق الغنى في القلب والعصمة في الطاعة والتوفيق في الزهد، ومن ألهم الأدب فيما بينه وبين الله تعالى طهر قلبه ويرزق السعادة، وليس شيء أضيق من حفظ الأدب.
فقيل له ما الأدب؟ قال: اجعلوا طعامكم الشعير، وحلواكم التمر، وإدامكم الملح، ودسمكم اللَبن، ولباسكم الصوف، وبيوتكم المساجد، وضياءكم الشمس، وسراجكم القمر، وطيبكم الماء، وبهاكم النظافة، وزينتكم الحذر، وعملكم الارتضاء، أو قال: الرضا، وزادكم التقوى، وأكلكم بالليل، ونومكم بالنهار، وكلامكم الذكر، وصمتكم وهمتكم التفكر، ونظركم العبرة، وملجأكم وناصركم مولاكم، واصبروا عليه إلى الممات.
وقال: ثلاث من علامات الشقاوة: أن تفوته الجماعة وهو بقرب من المسجد، وأن تفوته الجماعة وهو في المدينة، وأن يفوته الحج وهو بمكة.
قال سهل: والذرية ثلاث: أول وثاني وثالث:
فالأول: محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى لما أراد أن يخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم أظهر من نوره نورًا، فلما بلغ حجاب العظمة سجد لله سجدة، فخلق سبحانه من سجدته عمودًا عظيمًا كالزجاج من النور، أي باطنه وظاهره فيه عين محمد صلى الله عليه وسلم، فوقف بين يدي رب العالمين بالخدمة ألف ألف عام بطبائع الإيمان، وهو معاينة الإيمان ومكاشفة اليقين ومشاهدة الرب، فأكرمه الله تعالى بالمشاهدة قبل بدء الخلق بألف ألف عام.
وما من أحد في الدنيا إلاَّ غلبه إبليس لعنه الله فأسره، إلاَّ الأنبياء صلوات الله عليهم، والصديقون الذين شاهدت قلوبهم إيمانهم في مقاماتهم، وعرفوا اطلاع الله عليهم في جميع أحوالهم، فعلى قدر مشاهدتهم يعرفون الابتلاء، وعلى قدر معرفتهم الابتلاء يطلبون العصمة، وعلى قدر فقرهم وفاقتهم إليه يعرفون الضر والنفع، ويزدادون علمًا وفهمًا ونظرًا.
ثم قال: ما حمل الله على أحد من الأنبياء ما حمل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الخدمة، وما من مقام خدمة خدم الله تعالى بها من ولد آدم عليه السلام إلى أن بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إلاَّ وقد خدم الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقد سئل عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني» فقال: ما كان معه طعام ولا شراب، ولكنه كان يذكر خصوصيته عند الله تعالى، فيكون كمن أكل الطعام وشرب الشراب، ولو كان معه شراب أو طعام لآثر أهله وأهل الصفة على نفسه.
الثاني: آدم صلوات الله عليه، خلقه من نور، قال عليه السلام: «وخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم، يعني جسده، من طين آدم عليه السلام».
والثالث: ذرية آدم.
وإن الله عزَّ وجلَّ خلق المريدين من نور آدم، وخلق المرادين من نور محمد صلى الله عليه وسلم، فالعامة من الخلق يعيشون في رحمة أهل القرب، وأهل القرب يعيشون في رحمة المقرب، {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} [الحديد: 12]. اهـ.

.فصل في تقدير الرب تعالى شقاوة العباد وسعادتهم وأرزاقهم وآجالهم قبل خلقهم وهو تقدير ثان بعد الأول:

قال ابن القيم:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكث بمخصرته ثم قال: «ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}»، وفي لفظ اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}، وعن عمران بن حصين قال: قيل: «يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار فقال: نعم قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له». متفق عليه وفي بعض طرق البخاري كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له، وعن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقلت بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فقال أفلا يكون ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون قال فقال لي يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال: «بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم» وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، رواه مسلم في صحيحه، وعن شغي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان قال قلنا لا ألا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل عليهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص أبدا ثم قال للذي في يساره هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلأي شيء نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل النار وإن عمل أي عمل ثم قال: بيده فقبضها ثم قال: فرغ ربكم عز وجل من العباد ثم قال: باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير» رواه الترمذي عن قتيبة عن ليث أبي قبيل عن شغى وعن قتيبة عن بكر بن نصر عن أبي قبيل به وقال حديث حسن صحيح غريب ورواه النسائي والإمام أحمد وهذا السياق له، وفي صحيح الحاكم وغيره من حديث أبي جعفر الرازي ثنا الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال جمعهم له يومئذ جمعا ما هو كائن إلى يوم القيامة فجعلهم أزواجا ثم صورهم واستنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} إلى قوله المبطلون قال فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم أو تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين فلا تشركوا بي شيئا فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي فقالوا نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ورفع لهم أبوهم آدم فرأى فيهم الغني والفقير وحسن الصورة وغير ذلك فقال رب لو سويت بين عبادك فقال إني أحب أن أشكر ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج وذكر تمام الحديث وفي صحيحه وجامع الترمذي من حديث هشام بن يزيد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال من هؤلاء يا رب فقال هؤلاء ذريتك فرأى فيهم رجلا أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا قال ابنك داود يكون في آخر الأمم قال كم جعلت له من العمر قال ستين سنة قال يا رب زده من عمري أربعين سنة قال الله: إذا يكتب ويختم لا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت قال أولم يبق من عمري أربعون سنة قال له أولم تجعلها لابنك داود قال: فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته وخطئ فخطئت ذريته» قال هذا على شرط مسلم وفي موطأ مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم} فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عنها فقال: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار»، قال الحاكم هذا الحديث على شرط مسلم وليس كما قاله بل هو حديث منقطع قال أبو عمر: هو حديث منقطع فإن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب بينهما نعيم بن ربيعة هذا إن صح أن الذي رواه عن زيد بن أبي أنيسة فذكر فيه نعيم بن ربيعة إذ ليس هو بأحفظ من مالك ولا ممن يحتج به إذا خالفه مالك ومع ذلك فإن نعيم بن ربيعة ومسلم بن يسار جميعا مجهولان غير معروفين بحمل العلم ونقل الحديث وليس هو مسلم بن يسار العابد البصري وإنما هو رجل مدني مجهول ثم ذكر من تاريخ ابن أبي خيثمة قال: قرأت على يحي بن معين حدث مالك هذا فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف، قال أبو عمر: هذا الحديث وإن كان عليل الإسناد فإن معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي من وجوه كثيرة من حديث عمر بن الخطاب وغيره وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه في القدر علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو سريحة العبادي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعشم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت قلت وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وأبو ذر ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبو عبد الله رجل من الصحابة روى عنه أبو نصر وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبو الدرداء وعمرو بن العاص وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن الزبير وأبو أمامة الباهلي وأبو الطفيل وعبد الرحمن بن عوف وبعض أحاديثهم موقوفة وستمر بك جميعا متفرقة في أبواب الكتاب إن شاء الله عز وجل، وقال إسحاق بن راهوية أخبرنا بقية بن الوليد قال أخبرني الزبيدي محمد بن الوليد عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي قتادة عن أبيه عن هشام بن حكيم بن حزام أن رجلا قال: يا رسول الله أتبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء فقال إن الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار قال إسحاق وأخبرنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا الحريري عن أبي نصرة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقال له أبو عبد الله دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي فقالوا له ما يبكي قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «إن الله قبض قبضة بيمينه وأخرى بيده الأخرى قال هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي فلا أدري في أي القبضتين أنا»، أخبرنا عمرو بن محمد بن إسماعيل بن رافع عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «إن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم جعله طينا ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار كان إبليس يمر به فيقول خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه قال يا رب ما ذريتي قال اختر يا آدم قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين فبسط الله كفه فإذا كل من هو كائن من ذريته في كف الرحمن»، أخبرنا النضر أخبرنا أبو معشر عن أبي سعيد المقبري ونافع مولى الزبير عن أبي هريرة قال: لما أراد الله أن يخلق آدم فذكر خلق آدم فقال له يا آدم أي يدي أحب إليك أن أريك ذريتك فيها قال يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين فبسط يمينه وإذا فيها ذريته كلهم ما هو خالق إلى يوم القيامة الصحيح على هيئته والمبتلى على هيئته والأنبياء على هيئاتهم فقال ألا أعفيهم كلهم فقال أني أحببت أن أشكر وذكر الحديث، وقال محمد بن نصر المروزي حدثنا محمد بن يحيى ثنا سعيد بن أبي مريم أنا الليث بن سعد حدثني ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال: «خلق الله آدم ثم قال بيده فقبضها فقال اختر يا آدم فقال اخترت يمين ربي وكلتا يديك يمين فبسطها فإذا فيها ذريته فقال من هؤلاء يا رب قال من قضيت أن أخلق من ذريتك من أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة»، قال وثنا إسحاق بن راهوية أنا جعفر بن عون أنا هشام بن سعد عن زيد بن سالم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وذكر الحديث، وقال إسحاق بن الملاي ثنا المسعودي عن علي بن نديمة عن سعد عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم} قال: إن الله أخذ على آدم ميثاقه أنه ربه وكتب رزقه وأجله ومصيباته ثم أخرج من ظهره ولده كهيئة الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه ربهم وكتب رزقهم وأجلهم ومصيباتهم قال وحدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس قال مسح الله ظهر آدم فأخرج كل طيب في يمينه وفي يده الأخرى كل خبيث وقال محمد بن نصر حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني وثنا حجاج عن أبن جريج عن الزبير بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «إن الله ضرب منكبه الأيمن فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية فقال هؤلاء أهل الجنة ثم ضرب منكبه الأيسر فخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء فقال هؤلاء أهل النار ثم أخذ عهده على الإيمان والمعرفة به والتصديق له وبأمره من بني آدم كلهم وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا»، حدثنا إسحاق ثنا روح بن عبادة بن محمد بن عبد الملك عن أبيه عن الزبير بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بهذا الحديث وزاد قال ابن جريج وبلغني أنه أخرجهم على كفه أمثال الخردل قال إسحاق وأخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} قال أخذهم كما يؤخذ بالمشط وفي تفسير أسباط عن السدي عن أصحابه أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} الآية قال: لما أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبط من السماء مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال أدخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلى فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية فقال هو والملائكة: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الآية فلذلك ليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن الله ربه ولا مشرك إلا وهو يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} فذلك قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وذلك حين يقول: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} وذلك حين يقول: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} قال يعني يوم أخذ الميثاق، وقال إسحاق حدثنا وكيع حدثنا مضر عن ابن سليط قال قال أبو بكر رضي الله عنه: «خلق الله الخلق قبضتين فقال لمن في يمينه ادخلوا الجنة بسلام وقال لمن في يده الأخرى ادخلوا النار ولا أبالي» وأخبرنا جرير بن الأعمش عن أبي ظبيان عن رجل من الأنصار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الخلق قبض قبضتين بيده فقال لمن في يمينه أنتم أصحاب اليمين وقال لمن في اليد الأخرى أنتم أصحاب الشمال فذهبت إلى يوم القيامة»، وقال عبد الله بن وهب في كتاب القدر أخبرني جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال: «إن الله عز وجل لما خلق آدم أخرج ذريته ثم نشرهم في كفه ثم أفاضهم فألقى التي في يمينه عن يمينه والتي في يده الأخرى عن شماله ثم قال هؤلاء لهذه ولا أبالي وهؤلاء لهذه ولا أبالي وكتب أهل النار وما هم عاملون وأهل الجنة وما هم عاملون فطوى الكتاب ورفع القلم»، وقال أبو داود ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي صالح فذكره قال ابن وهب وأخبرني عمرو بن الحرث وحيوة ابن شريح عن ابن أبي أسيد هكذا قال عن أبي فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: «إن الله عز وجل لما خلق آدم نفضه نفض المرود فأخرج من ظهره ذريته أمثال النغف فقبضهم قبضتين ثم ألقاهما ثم قبضهما فقال فريق في الجنة وفريق في السعير»، قال ابن وهب وأخبرني يونس بن يزيد عن الأوزاعي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «من كان يزعم أن مع الله قاضيا أو رازقا أو يملك لنفسه ضرا أو نفعا أو موتا أو حياة أو نشورا لقي الله فأدحض حجته وأحرق لسانه وجعل صلاته وصيامه هباء وقطع به الأسباب وأكبه الله على وجهه في النار وقال أن الله خلق الخلق فأخذ منهم الميثاق وكان عرشه على الماء»، وذكر أبو داود ثنا يحيى بن حبيب ثنا معتمر ثنا أبي عن أبي العالية في قوله عز وجل: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قال صاروا فريقين وقال لمن سود وجوههم وغيرهم أكفرتم بعد أيمانكم قال هو الإيمان الذي كان حيث كانوا أمة واحدة مسلمين قال أبو داود وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو نعامة السعدي قال كنا عند أبي عثمان النهدي فحمدنا الله عز وجل فذكرناه ودعوناه فقلت لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحا مني بآخره فقال أبو عثمان ثبتك الله كنا عند سلمان فحمدنا الله عز وجل وذكرناه ودعوناه فقلت لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحا مني بآخره فقال سلمان: «ثبتك الله إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج من ظهره ما هو ذارئ إلى يوم القيامة فخلق الذكر والأنثى والشقوة والسعادة والأرزاق والآجال والألوان ومن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر» وقال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «مسح ربك تعالى ظهر آدم فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة أخذ عهودهم ومواثيقهم» قال سعيد: فيرون أن القلم جف يومئذ، وقال الضحاك خرجوا كأمثال الذر ثم أعادهم فهذه وغيرها تدل على أن الله سبحانه قدر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم وشقاوتهم عقيب خلق أبيهم وأراهم لأبيهم آدم صورهم وأشكالهم وحلاهم وهذا والله أعلم أمثالهم وصورهم، وأما تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} الآية به ففيه ما فيه وحديث عمر لو صح لم يكن تفسيرا للآية وبيان إن ذلك هو المراد بها فلا يدل الحديث عليه ولكن الآية دلت على أن هذا الآخذ من بني آدم لا من آدم وأنه من ظهورهم لا من ظهره وأنهم ذرياتهم أمة بعد أمة وأنه إشهاد تقوم به الحجة له سبحانه فلا يقول الكافر يوم القيامة كنت غافلا عن هذا ولا يقول الولد أشرك أبي وتبعته فإن ما فطرهم الله عليه من الإقرار بربوبيته وأنه ربهم وخالقهم وفاطرهم حجة عليهم ثم دل حديث عمر وغيره على أمر آخر لم تدل عليه الآية وهو القدر السابق والميثاق الأول وهو سبحانه لا يحتج عليهم بذلك وإنما يحتج عليهم برسله وهو الذي دلت عليه الآية فتضمنت الآية والأحاديث إثبات القدر والشرع وإقامة الحجة والإيمان بالقدر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها بما يحتاج العبد إلى معرفته والإقرار به معها وبالله التوفيق. اهـ.